
تناقض قاتل في بروكسل: الاتحاد الأوروبي في مواجهة مفارقات الصحراء الغربية

Par Dr Ali Haydar Analyste géostrategiques indépendant
من دكتور علي حيدر محلل جيوستراتجك مستقل
تناقض قاتل في بروكسل: الاتحاد الأوروبي في مواجهة مفارقات الصحراء الغربية
بقلم مراقب لديناميات بروكسل
بروكسل، 27 أكتوبر 2025
يا أوروبا، يا من تزعمين أنك رائدة القانون الدولي ومبادئ العدالة، كيف تتسامحين مع هذا التنافر الصارخ في أفعالك؟ فمن جهة، يبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقيات تجارية تستغل موارد الصحراء الغربية، وهي إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي وفقًا للأمم المتحدة. ومن جهة أخرى، تعدلين خرائطك للاعتراف بوضعه المتميز. هذه التناقضات من جانب المفوضية الأوروبية تثير سؤالًا جوهريًا: هل يمكن للاتحاد الأوروبي أن يدعي الدفاع عن القيم التي يرفعها بينما يتغاضى عن ممارسات تخالف القانون؟ هذا التناقض، بعيدًا عن كونه هامشيًا، يطرح تساؤلات حول نزاهة المؤسسات الأوروبية ويستدعي إعادة تقييم عاجلة.
1. الاتفاقيات التجارية: هل هي متوافقة مع القانون الدولي؟
هل تصرفت المفوضية الأوروبية بما يتماشى مع مبادئها الخاصة عندما عدلت في 2 أكتوبر 2025 البروتوكولين 1 و4 من اتفاقية الشراكة الأورو-متوسطية مع المغرب، عبر قرار المجلس (الاتحاد الأوروبي) 2025/2022؟ هذا التعديل، الذي بدأ تطبيقه مؤقتًا في 3 أكتوبر، يوسع الامتيازات الجمركية لتشمل المنتجات الزراعية والسمكية من الصحراء الغربية، الموسومة بأسماء مثل «العيون-الساقية الحمراء» أو «الداخلة-وادي الذهب». كيف يمكن تبرير تدفق هذه المنتجات – الطماطم، والخيار، والسردين – إلى السوق الأوروبية، بينما حكمت محكمة العدل الأوروبية (CJUE) مرات عديدة بأن الصحراء الغربية إقليم متميز عن المغرب، ويستلزم موافقة حرة ومستنيرة من شعبه لأي استغلال اقتصادي؟
ألم تؤكد أحكام محكمة العدل الأوروبية في 21 ديسمبر 2016 (القضية C-104/16 P، المجلس ضد جبهة البوليساريو) وفي 4 أكتوبر 2024 (القضيتان المجمعتان C-779/21 P وC-799/21 P، المفوضية والمجلس ضد جبهة البوليساريو) بوضوح أن جبهة البوليساريو، بصفتها الممثل الشرعي للشعب الصحراوي، يجب أن تعطي موافقتها المسبقة؟ فلماذا، إذن، تصر المفوضية، تحت رئاسة أورسولا فون دير لاين، على إقرار اتفاقيات تبدو وكأنها تتجاهل هذه الأحكام القضائية، رغم احتجاجات منظمات مثل هيئة مراقبة موارد الصحراء الغربية (WSRW)؟ مع تبادل تجاري يتجاوز 60 مليار يورو سنويًا بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في عام 2024، والذي يشمل جزءًا كبيرًا من الصحراء الغربية، ألا تساهم هذه الاتفاقيات بشكل غير مباشر في تمويل الاحتلال، على حساب مخيمات اللاجئين في تندوف؟ كيف يمكن للاتحاد الأوروبي أن يوفق بين هذه الممارسات وقرارات الأمم المتحدة، مثل القرار 34/37 لعام 1979، الذي يؤكد حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير؟
2. تحديث الخرائط: هل هو إجراء كافٍ؟
هل استجاب برنامج كوبرنيكوس التابع للاتحاد الأوروبي فعلًا لمتطلبات القانون الدولي في يوليو 2025 برسم خط منقط على خرائطه لفصل الصحراء الغربية عن المغرب، تماشيًا مع وضعها كإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي؟ ألم يكن هذا التحديث، الذي كشفت عنه صحيفة إل إندبندنتي الإسبانية، مجرد تعديل تقني يهدف إلى تهدئة الانتقادات، بينما تستمر المفاوضات التجارية في تضمين موارد الصحراء الغربية دون موافقة؟ كيف يمكن تفسير أن الخرائط ذاتها، التي يفترض أنها تعكس القانون، تُستخدم لتأطير اتفاقيات تتجاوزه؟ ألا يخفي هذا التماسك الخرائطي الظاهري تناقضًا أعمق في السياسات الأوروبية؟
3. الموقف الجيوسياسي: هل يتم احترام الحياد؟
في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ألا يواجه مشروع قرار أمريكي يروج للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية معارضة من روسيا؟ ألم يؤكد الرئيس فلاديمير بوتين، في بيان أصدره في الكرملين في أكتوبر 2025، أن أي تسوية يجب أن تشمل استفتاءً لتقرير المصير، وفقًا لقرارات الأمم المتحدة؟ ألا يكشف هذا الفيتو المحتمل عن عزلة دبلوماسية متزايدة لمحور الاتحاد الأوروبي-المغرب-الولايات المتحدة؟ ألا يخاطر الاتحاد الأوروبي، بدعمه الضمني لحل أحادي، بالابتعاد عن المبادئ متعددة الأطراف التي يزعم أنه يدافع عنها؟
4.الأساليب المغربية: هل هي دليل على الشرعية؟
إذا كانت الصحراء الغربية، كما يدعي المغرب، جزءًا لا يتجزأ من أراضيه، فلماذا يلجأ المملكة إلى أساليب مثيرة للجدل للدفاع عن هذا الموقف؟ كيف يمكن فهم استخدام برامج التجسس لاستهداف صحفيين ونشطاء وحتى رؤساء دول؟ لماذا تشير اتهامات بالفساد إلى دفع رشاوى لتعزيز المصالح المغربية في المؤسسات الأوروبية؟ لماذا يؤدي أي تعبير في المغرب عن دعم تقرير المصير للصحراء الغربية إلى الرقابة أو التهديدات أو السجن؟
يتأكد هذا السؤال بقوة في ضوء خطاب الرئيس إيمانويل ماكرون أمام البرلمان المغربي في 29 أكتوبر 2024. ألم يستخدم ماكرون، في نصه الرسمي باللغة الفرنسية، مصطلح «الصحراء الغربية» بدلاً من «الأقاليم الجنوبية» التي يفضلها الرباط، معترفًا ضمنيًا بالوضع المتميز للإقليم؟ ألم يُحرف المترجم الرسمي هذا المصطلح خلال الترجمة الفورية إلى العربية، ولماذا تبنت بعض وسائل الإعلام المغربية هذا التحريف؟ ألا يثير التصفيق شبه الإجماعي من البرلمانيين المغاربة لهذا الخطاب تناقضًا في الموقف الرسمي للمملكة؟ إذا كانت الصحراء مغربية بلا جدال، فلماذا تكون هذه الأساليب – التجسس، الفساد، الرقابة، وتحريف الخطابات الرسمية – ضرورية لتأكيد هذه السيادة المزعومة؟
تاريخيًا، ألم تكن المسيرة الخضراء عام 1975، التي قُدمت كحركة شعبية، مدبرة بدعم خارجي؟ ألم تؤكد وثائق سرية اتفاقًا بين المغرب وإسبانيا لإجراء «استفتاء مضبوط»؟ ألم تُشر إلى محاولات لتبرير الضم عبر «تصويت مزور»؟ ألا تثير هذه الكشوفات سؤالًا جوهريًا: هل تحتاج مطالبة شرعية إلى مثل هذه المؤامرات؟
5. دعوة إلى تماسك المؤسسات الأوروبية
في مواجهة هذه التساؤلات، يبرز سؤال نهائي: هل يمكن للاتحاد الأوروبي أن يستمر في التأرجح بين الاحترام الشكلي للقانون والتساهل الاقتصادي؟ ألا يجب على المفوضية الأوروبية، بصفتها حامية قيم الاتحاد، أن توائم أفعالها مع مبادئها؟ ولهذه الغاية، ندعو إلى:
هل يمكن تصور تجميد اتفاقيات الاتحاد الأوروبي-المغرب التي تشمل موارد الصحراء الغربية ما لم تُحصل موافقة الشعب الصحراوي، وفقًا لأحكام محكمة العدل الأوروبية؟
ألا يتطلب الأمر إجراء تحقيق مستقل في التأثيرات المغربية داخل المؤسسات الأوروبية، عبر فضائح مثل «المغربغيت» أو «قطرغيت»؟
هل يمكن للاتحاد الأوروبي أن يلتزم بشكل كامل بدعم استفتاء لتقرير المصير تحت رعاية الأمم المتحدة، كما تطالب القرارات الدولية؟
أليس فرض حظر على المنتجات القادمة من الصحراء الغربية خطوة متسقة لاحترام القانون الدولي؟
على المغرب والجزائر، كما فعلت المملكة العربية السعودية وإيران في سياق انضمامهما إلى مجموعة البريكس، أن يتخذا خطوات لتهدئة التوترات وإيجاد حل وسط يعزز فرص قبول طلبيهما. فالتعاون والتفاهم المتبادل هما السبيل لتعزيز الاستقرار الإقليمي ودعم المبادئ الدولية.
أيها القراء الأعزاء، هذه التناقضات ليست قدرًا محتومًا. إنها دعوة للتعبئة للمطالبة بتماسك المؤسسات الأوروبية. فليضغط البرلمان الأوروبي، والمواطنون، والمنظمات الدولية على الاتحاد الأوروبي لتجسيد قيمه. الصحراء الغربية ليست سلعة، والتاريخ سيحكم على من يضحون بالعدالة لصالح السياسة الواقعية. فلنعمل من أجل أن تستعيد أوروبا كرامتها ويُحترم حق الشعب الصحراوي.