
سعيد المداوشي: الفارس الذي لم يتخلَّ عن راية الحق حين خان الجميع العهد

Édité par notre Bénévole Lhoucine BENLAIL Directeur Officiel Diplomaticnews.net

الحسين بنلعايل – ديبلوماتيك نيوزفي خضمّ زمن تطغى فيه المصالح الشخصية على القيم، وتغلب فيه حسابات الربح والخسارة على مبادئ الحق والعدل، تبرز مواقف تُعيد للإنسان إيمانه بإنسانية الإنسان، وتُذكّرنا بأن الشرفاء لم ينقرضوا بعد. ومن بين هذه المواقف النادرة، يطلّ علينا اسم الشيخ سعيد المداوشي رئيس جمعية الرحمة العالمية كشمعة تضيء في ظلام الصمت، وكصوت يشقّ جدار الخوف والانتهازية ليعلنها واضحة:

“هنا يقف رجل لا يبيع ضميره”.قصة وقوف المداوشي إلى جانب الشيخ محمد التجكاني في محنته ليست مجرد حدث عابر في سجلّ الأيام، بل هي وثيقة أخلاقية تُسجّل بأحرف من نور في زمن عزّ فيه الوفاء. لقد كان بمقدور المداوشي، كغيره من الشخصيات العامة، أن يختار طريق السلامة، أن يصمت كما صمت الآخرون، أن يبتعد كما ابتعدوا. لكنّه آثر أن يكون حيث يجب أن يكون الرجال: في خندق الحق، بغضّ النظر عن الثمن.ما فعله المداوشي لم يكن مجرد زيارة عابرة أو كلمة عطف، بل كان منهجًا متكاملاً في النصرة. لقد حوّل تعاطفه إلى فعل ملموس: دعم قانوني يُخفّف العبء عن كاهل المظلوم، ودعم مادي يُعيد له الاعتبار الإنساني، ودعم إعلامي يُعيد الحق إلى نصابه. وهذا بالضبط ما يعنيه أن تكون مسلمًا حقًا، أن تتحوّل قيمك من كلام نظري إلى فعل عملي، من شعارات إلى مواقف.في عالمنا اليوم، حيث تُقاس العلاقات بالمصالح، وتُقدّر المواقف بحسابات الربح والخسارة، يأتي موقف المداوشي ليعيد تعريفنا معنى الأخوّة الحقيقية. الأخوّة التي لا تتزعزع عند الشدائد، الولاء الذي لا يترنّح عند العواصف. لقد ذكرنا بقول النبي ﷺ: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا”

، وبأن الإيمان ليس كلمات تقال، بل مواقف تُسجّل.الأمر الذي يستحقّ التأمل هنا هو ذلك التناقض الصارخ بين صمت الكثيرين وصمود المداوشي. فكم من شخصية تدّعي التمسك بالدين وهي أول من يفرّ عند أول اختبار؟ كم من متحدثٍ بارع عن العدل يصمت عندما تُختبر عدالته؟ المداوشي، من خلال موقفه هذا، لم يدافع فقط عن التوجكاني، بل دافع عن روح الإسلام الحقيقية التي ترفض الظلم بكل أشكاله.ولا يمكننا أن نغفل عن البعد الوطني في موقف المداوشي. ففي وقت تتسابق فيه بعض الأصوات إلى تشويه صورة المغرب والمسلمين، يأتي هذا الموقف ليرسم صورة مختلفة:

صورة المغرب الذي يقف مع المظلومين، صورة الإسلام الذي ينصر الضعفاء. إنه درس في الوطنية الحقيقية التي لا تنفصل عن القيم الإنسانية.إننا اليوم أمام نموذج نادر من نماذج الرجولة الحقيقية. رجولة لا تُقاس بعلوّ الصوت أو ضخامة الجسد، بل بثبات الموقف عند المحك. المداوشي علمنا أن الشجاعة ليست في القوة الجسدية، بل في القدرة على قول “لا” عندما يجرّك التيار إلى “نعم”، في القدرة على الوقوف عندما يفرّ الآخرون.ولهذا فإن تكريم مثل هذا الرجل ليس مجرد ردّ جميل له شخصيًا، بل هو رسالة مجتمعية بأهمية التمسك بالقيم.

عندما يُكرّم الملك رجلاً مثل المداوشي، فإنه لا يكرّم فردًا، بل يكرّم مبدأ. لا يكرّم شخصًا، بل يكرّم خصلةً كادت تندثر في زمننا هذا: خصلة الوفاء.إننا نحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى إبراز مثل هذه النماذج، إلى تسليط الضوء على هؤلاء الرجال الذين يصنعون الفرح بمواقفهم في زمن يُنتج فيه الآخرون الدموع. نحتاج إلى أن نُظهر للأجيال القادمة أن المغرب كان دومًا أرضًا للشرفاء، وأن الإسلام دينًا للعظماء.في النهاية، فإن قصة المداوشي والتوجكاني تترك فينا سؤالاً وجوديًا: ماذا سنختار عندما يأتي دورنا لنكون في موقف المداوشي؟ هل سنكون من الذين يقفون حيث يجب أن يقف الشرفاء، أم سنكون ضمن القطيع الصامت؟ الجواب عند ضمير كلّ منا. لكن ما نعرفه أن التاريخ لا يذكر الأغلبية الصامتة، إنما يذكر أولئك القلائل الذين اختاروا أن يكونوا مختلفين، أن يكونوا في مستوى القيم لا المصالح.لذلك، وبكلّ اعتزاز وفخر، نرفع هذا النداء إلى جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بأن يكرّم هذا الرجل الذي كرّمنا بمواقفه، بأن يوشّح صدره بوسام يستحقّه، ليس لأنه بحاجة إليه، بل لأننا بحاجة إلى أن نُذكّر العالم بأن المغرب يزخر برجال من طينة المداوشي، رجال يصنعون المجد بمواقفهم قبل كلماتهم.