1 August 2025

الشرق الأوسط على حافة التحول الأكبر

Édité par notre Bénévole Lhoucine BENLAIL Directeur

الحسين بنلعايل – ديبلوماتيك نيوز

منذ ذلك اليوم المصيري في السابع من أكتوبر، لم تعد أرض الشرق الأوسط تشهد مجرد جولة عنف متجددة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المزمن. ما بدا كاشتباك محلي محدود سرعان ما تحول إلى شرارة أطلقت سلسلة تصاعدية خطيرة، تقود المنطقة بأسرها نحو بركان متأهب للانفجار. لقد تجاوزت ديناميكيات الصراع الحدود التقليدية، ليتحول تدريجياً إلى مواجهة مباشرة وصريحة بين إيران، القوة الإقليمية الطامحة للهيمنة، وإسرائيل، الحليف الغربي المدجج بأحدث الأسلحة. هذه المواجهة لم تعد تدور في الخفاء أو عبر وكلاء فقط؛ فالتصعيد المتبادل، من ضربات تنطلق صراحةً من الأراضي الإيرانية إلى ردود إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع في عمق إيران وحلفائها، خاصة في جنوب لبنان، يشير بوضوح إلى أن المنطقة قد تجاوزت نقطة اللاعودة. وفقاً لتحليلنا للاوضاع، فإننا لا نعيش نزاعاً عابراً، بل نشهد نقطة تحول محورية في التاريخ الحديث للشرق الأوسط، ربما تكون البداية الفعلية لحرب إقليمية شاملة، تشمل فاعلين متعددين وتطال تأثيراتها كل أركان المنطقة، متجاوزةً بكثير حدود غزة أو فلسطين المحتلة.وفي خضم هذا التصعيد العسكري المتسارع والمخيف، تبرز حركة شعبية مغاربية كبرى تلوح في الأفق كعلامة فارقة أخرى على خارطة الاضطراب الإقليمي. انطلقت من تونس، حاملة لواء “قافلة كسر الحصار عن غزة”، لتعبر الحدود إلى ليبيا والجزائر، وتتجه بقوة نحو مصر. هذه المسيرة ليست مجرد مظاهرة تضامنية عابرة؛ إنها، كما نراها، بوادر ما يمكن وصفه بـ “ربيع عربي جديد”. لكن هذه المرة، يبدو المشهد مختلفاً. فالحراك يحمل زخماً شعبياً واسعاً، مدعوماً بتضامن لافت من شباب عرب وأوروبيين، ويحمل في طياته ملامح انتفاضة شعبية قد تتفوق في قوتها وتأثيرها على موجات الربيع العربي التي هزت عروش الحكام في 2011. إنها موجة تحمل غضباً متراكماً من سياسات الأنظمة وغياب العدالة، متخذة من القضية الفلسطينية وقضية غزة تحديداً شعاراً جامعاً وقضية مركزية، مما ينذر بإمكانية زعزعة الاستقرار في دول اعتُبرت محصنة نسبياً بعد عاصفة 2011.ويضاف إلى هذا المشهد المتفجر تطور قانوني دولي غير مسبوق في دلالته. ففي خطوة تاريخية، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في الحادي والعشرين من نوفمبر 2024 مذكرتي توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت. الاتهامات الخطيرة – التي تشمل استخدام التجويع كسلاح حرب وارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال الحملة العسكرية على غزة – تمثل إدانة قضائية صريحة للسياسات الإسرائيلية على أعلى مستوى دولي. قرار المحكمة، رغم محدودية آثاره التنفيذية المباشرة بسبب عدم انضمام إسرائيل والولايات المتحدة لنظام روما الأساسي، يضع نتنياهو وغالانت رسمياً في خانة المطلوبين دولياً في 124 دولة. بينما رفض نتنياهو الاتهامات ووصفها بـ “المعادية للسامية” في خطاب مألوف، رحبت حركة حماس بالقرار باعتباره انتصاراً للعدالة. هذه الخطوة القانونية، بغض النظر عن تنفيذها الفوري، تشكل ضربة معنوية وسياسية كبيرة لإسرائيل، وتفتح باباً جديداً للمساءلة الدولية في صراع طالما تمتع فيه الجانب الإسرائيلي بحصانة شبه كاملة.إن المنطقة العربية والإسلامية، في ظل هذا المشهد المركب والمتفجر، تقف على حافة تحولات جيوسياسية عميقة. فمن جهة، تتصاعد حدة المواجهة العسكرية المباشرة بين إيران وإسرائيل، مع تهديد حقيقي بتوسع رقعة الحرب لتشمل دولاً وميليشيات في لبنان والعراق واليمن وسوريا. ومن جهة أخرى، يتصاعد غليان شعبي عارم في الشارع المغاربي والعربي، مستلهماً روح التضامن مع غزة وغاضباً من سياسات حكوماته، يحمل بذور انتفاضة جديدة قد تعيد رسم المشهد السياسي الداخلي لدول عديدة. وفي قلب هذا العاصف، تأتي الإدانة القضائية الدولية للقيادة الإسرائيلية لتضيف بُعداً قانونياً وأخلاقياً جديداً لصراع طالما هيمنت عليه حسابات القوة العسكرية الخالصة. تقاطع هذه الخطوط الثلاثة – المواجهة العسكرية الإقليمية، والغليان الشعبي الداخلي، والضغط القانوني الدولي – يخلق لحظة تاريخية بالغة الحساسية. إنها لحظة تنذر،و كما نرى، تغييرات كبرى لا تقتصر على الحدود أو الحكومات فحسب، بل قد تعيد تشكيل الخارطة السياسية والفكرية للعالم العربي برمته، وتحدد معالم حقبة جديدة في تاريخ الشرق الأوسط المضطرب. المنطقة، بكل ما فيها من تعقيدات وتوترات، تتنفس هواء التغيير الجذري، لكن اتجاه هذا التغيير وثمنه لا يزالان معلقين في مهب رياح عاتية لا ترحم.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *